أخبار

د. ممدوح الدماطي: الكتابة السينائية أول أبجدية حقيقية وأصل اللغات الفينيقية والآرامية والعربية.. «صور»

د. ممدوح الدماطي
د. ممدوح الدماطي

أكد الدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار المصري الأسبق أهمية التعريف باللغة المصرية القديمة، وتأثيرها على اللغات الأخرى، خاصة اللغة العربية التي نقلت بعض ألفاظها بمعانيها.

ووصف اكتشاف حجر رشيد بأنه مفتاح فهم لغز اللغة المصرية القديمة، وساهم في فهم تاريخ الحضارة المصرية، وتوسيع المعرفة بتاريخ البشرية، وتراثنا المشترك.


وأوضح أن الكتابة المصرية القديمة، وخاصة الهيروغليفية، كانت نقطة انطلاق لتطور العديد من الأبجديات، بما في ذلك الأبجدية العربية، لافتا إلى أن حجر رشيد كان نقطة انطلاق هذا التطور، بعد أن أتاح للعلماء فهم نظام الكتابة المصري القديم.

وأبرز أوجه التشابه بين اللغتين المصرية القديمة والعربية، لافتا إلى أن هناك العديد من الكلمات المشتركة؛ مما يشير إلى صلة لغوية بينهما.

أضاف أن "الهيروغليفية" تطورت من نظام كتابة "تصويري" إلى نظام أبجدي، ثم نشأت "الكتابة السينائية" في سيناء نتيجة تفاعل المصريين مع الكنعانيين، وتعتبر أول أبجدية حقيقية. وانتقلت الأبجدية السينائية إلى الفينيقيين ثم الآراميين، وتطورت الأبجدية الآرامية إلى الأبجدية العربية والأبجديات الأخرى.

وقال: تشترك اللغة المصرية القديمة واللغة العربية في بعض الخصائص النحوية والصرفية، وهناك دليل على أن الأبجدية العربية نشأت من الأبجدية السينائية التي لها أصول مصرية.

جاء ذلك في ندوة "اللغة المصرية القديمة وعلاقتها باللغة العربية" التي نظمتها "ديوانية الذييب" الثقافية بمشاركة عدد كبير من الأدباء والكتاب والمثقفين ورجال الإعلام.

حجر رشيد.. ثلاث لغات


استهل الدكتور الدماطي حديثه بوصف "حجر رشيد" بأنه من الجرانيت، ارتفاعه نحو متر ونصف المتر، وعرضه نحو متر وثلاثين سنتيمترًا، اكتشفه أحد الضباط الفرنسيين بمدينة "رشيد" في أثناء الحملة الفرنسية على مصر، ووجد أنه مكتوب بثلاث لغات، فأرسله إلى الإسكندرية، ثم إلى القاهرة وأمر قائد الحملة "نابليون بونابارت" بأن يُعمل منه نُسخ للعرض.

فلما انهزمت الحملة الفرنسية آلت كل الآثار التي حصلت عليها فرنسا إلى إنجلترا بناء على التفاق بينهما، وأمر جورج الثالث ملك إنجلترا بوضع حجر رشيد في المتحف البريطاني سنة 1802.

أضاف أن الحجر كان مرسوما كهنوتيا بأمر الملك بطليموس الخامس، أي صدر عام 196 قبل الميلاد. وهو مكتوب من أعلى بالخط الهيروغليفي، وفي الوسط بالديموطيقية، وفي أسفل باليونانية القديمة.

وشدد على أنه من الخطأ إطلاق مسمى "الهيروغليفية" على "اللغة المصرية القديمة" لأن "الهيروغليفية" إحدى كتابات اللغة المصرية القديمة.
لماذا الكتابة.. بالثلاث؟.

وقال الدكتور الدماطي: أنا أقارن "اللغة المصرية القديمة" باللغة العربية، لأنها لغة متطورة في الشكل وقواعد النحو؛ فاللغة العربية بدأت بخط جميل هو "الكوفي" ثم النسخ، ثم الرقعة. واللغة المصرية مرت بمرحلة "الهيروغليفية" أي الكتابة التصويرية الجميلة، ثم "الهيراطيقية" وهي خط مختصر للهيروغليفية، ثم تطور الخط الهيراطيقي إلى خط أكثر اختصارًا عُرف بالديموطيقية، أي الخط الشعبي.


ومع تطور اللغة أصبحت الكتابة "الهيروغليفية" غير مقروءة للشعب، ولكنها كتابة مقدسة، فإذا خرج نص من المعبد يجب أن يُكتب بالهيروغليفية.

والشعب يجب أن يطلع على هذا النص ويعرف فحواه، فيكتب بالديموطيقية، وهناك الجالية اليونانية والحاكم يوناني، فيُكتب النص مرة أخرى باليونانية، ولذلك كُتب المرسوم على حجر رشيد بالثلاثة: حتى يستطيع الجميع قراءته.

الحجر.. يبوح بأسراره


أكد الدكتور الدماطي أنه منذ اكتشاف حجر رشيد بذل علماء كثيرون من جنسيات مختلفة جهودا كبيرة لفك رموزه، وترجمة نصوصه إلى أن أتى جان فرانسوا شامبليون الذي بدأ حياته محبًا للغة، وكان التقى أحد علماء الحملة الفرنسية صغيرا، ووجد عنده نسخة من حجر رشيد، أُعجب بها، وقرر أن يتعلم اللغات ليقوم بمعرفة نصوص هذا الحجر. وبالفعل تعلم اليونانية القديمة، واللاتينية، والعربية، ودرس القبطية على يد قسيس مصري يُدعى "يوحنا الشفتشي" كان يعمل بإحدى كنائس باريس، وكان يقيم قُداسا باللغة القبطية.

اهتم شامبليون بأن يجمع الأسماء الملكية التي لها مقابل باليوناني والقبطي، وبدأ يقارن الحروف ببعضها إلى أن توصل إلى فهم ومعرفة اللغة المصرية القديمة.
وأوضح وزير الآثار السابق أن أول كتابة مصرية وُجِدت في "جبانة أبيدوس" بمحافظة سوهاج في جنوب مصر، وترجع إلى عام 3200 قبل الميلاد، أي منذ 5200 عام.

"العربية" متطورة عن "المصرية"


وردا على سؤال: ما هي لغة آدم عليه السلام؟ قال الدكتور الدماطي: لغة آدم عليه السلام لا يعلمها إلا الله، ولكننا نقول: أول اللغات التي عُرفت كانت اللغة المصرية القديمة، وقد تكون الأصول التي كانت مع آدم وتطورت؛ فاللغة متطورة، كائن حي، تطورت إلى المصرية، ثم إلى الفينيقية، ثم العربية.. هذا تطور طبيعي في اللغات، ولأجل ذلك تحولت إلى اشتقاقات عدة وأصبحت ألسنًا كثيرة.

واللغة المصرية تحورت إلى عامية، ثم كتبت بالقبطية ومستمرة حتى اليوم في القداس الخاص بالكنيسة المصرية، يُصلّون بها.

بناء الأهرامات بالطريق الصاعد
وحول طريقة بناء الأهرامات وهل هي مبنية أو منحوتة؟ ومن المقصودون بصفة "الفراعنة"؟ أشار إلى أن هناك بحوثا كثيرة عن كيفية بناء الأهرامات.. بناء وليس نحتًا.. الأهرامات بُنيت بالحجارة، والشائع أنها بنيت من خلال الطريق الصاعد، وهو طريق يُبنى حول الهرم تُسحب عليه الكُتل.. يُبني صف ويُرفع، ثم يبني الصف الثاني، وهكذا يُلف حول الهرم.. هذه نسميها الطُرق الصاعدة لبناء الهرم.

وأوضح أن لفظة "فرعون" معناها "ملك".. والقُرآن الكريم عندما ذكر سيدنا يوسف عليه السلام قال: "وَقَالَ الْمَلِكُ" [يوسف: 43]، وعندما جاء عند سيدنا موسى قال: "فرعون".. فقبل الأسرة الثامنة عشرة لم تُعرف لفظة "فرعون" وسيدنا يوسف عليه السلام دخل مصر قبل الأسرة الثامنة عشرة.. دخل في فترة حكم الهكسوس غالبًا. أما سيدنا موسى فأتى في عصر الدولة الحديثة عندما أصبحت لفظة "برعا" تعني الملك.. فرعون أي الملك، الذي هو رمسيس الثاني تقريبا. والهرم ما هو إلا قبر للملك، على عكس أهرامات المكسيك، فهي معابد.