محمود كرم يكتب.. عبقرية خالد بن الوليد تنقذ المسلمين في معركة مؤتة
الحدث 60بقلم: محمود كرم
شرع الله الجهاد فأرسل عليه الصلاة والسلام، البعوث والسرايات التي انطلقت في كل اتجاه تدق حصون الباغين وتشيع الرعب في قلوب المشركين وكان هدفها جميعاً هو إخراج الناس من ظلمات الجهل إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة الواحد القهار.
وتُعد معركة مؤتة التي وقعت في محافظة الكرك بالأردن في العام الثامن للهجرة، بين جيش المسلمين من جهة والروم والغساسنة العرب من جهة أخرى، من المعارك الهامة والبارزة في التاريخ الإسلامي.
واتفق معظم المؤرخين، على السبب المباشر لهذه الغزوة، هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسل الحارث أبن عمير الأزدي، بكتاب إلى ملك بصرى يدعوه فيه، إلى الإسلام، وبينما هو بالبلقاء خرج له شرحبيل بن عمرو الغساني وكان عاملاً على البلقاء من أرض الشام (الأردن حالياً) من قبل قيصر، فأوثقه ثم قدمه فضرب عنقه، فغضب صلى الله عليه وسلم، وأمر بتجهيز جيش قوامة ثلاثة آلاف مقاتل وأرسله إلى مؤتة.
قيادة الجيش
عقد الرسول عليه الصلاة والسلام، الراية لزيد بن حارثة، وقال: فإن قُتل فأميركم جعفر بن أبي طالب، فإن قُتل فأميركم عبد الله بن رواحه، فلقوا العدو الذي قدر عدده بـ مئتا ألف مقاتل، فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قُتل ثم أخذ الراية جعفر فقاتل حتى قُتل ثم أخذها بن رواحه فقاتل حتى قُتل، ثم اتفق المؤمنين على القائد المغوار والمحنك خالد بن الوليد أميراً عليهم فحمل الراية.
خداع العدو
وكانت مهمة خالد الأساسية في تلك اللحظة العصيبة هو ينقذ المسلمين من الهلاك الجماعي فبعد أن قدر الموقف واحتمالاته المختلفة قدراً دقيقاً ودرس ظروف المعركة درساً وافياً وتوقع نتائجها، حيث اقتنع بأن الإنسحاب بأقل خسائر ممكنة هو الحل الأفضل، ورأى القائد المحنك أنه حتى يؤمن إنسحابه من المعركة بقوة وانتظام وبأقل خسائر، لابد أن يستخدم أسلوب الهجوم أفضل وسيلة للدفاع، فبدأ في تحقيق هدفه بأن رسم خطة سعى فيها إلى إيهام العدو أن المسلمين لازالوا في أماكنهم يقاتلون.
وفي الليل أمر مجموعة من المسلمين بأن يخرجوا إلى خلف الجبال ليعودوا فجراً مثيرين للغبار رافعين أصواتهم بالتكبير والتهليل فيظن الروم بأن مدداً قد أتى للمسلمين، كما قام أيضاً بحيلة عسكرية فريدة من نوعها إذ غير الميمنة ميسرة والميسرة ممينة والمقدمة مؤخرة والمؤخرة مقدمة لتختلف الوجوه على الروم ويدب الرعب في قلوبهم، ثم فاجأهم بالهجوم على قلب جيشهم وكاد أن يصل إلى قائدهم، ثم فوجئوا بخالد ينسحب شيئاً فشيئاً بالجيش في الصحراء حتى ظن الرومان أن ابن الوليد يستدرجهم فخافوا من ملاحقته مما حقق للمسلمين الإنسحاب الآمن وحقن دماءهم.
وتُعد عملية الإنسحاب والتراجع الي قام بها بن الوليد من أكثر العمليات في التاريخ العسكري مهارة ونجاحاً، فرغم ضغط القوات المتحالفة على المسلمين بشدة وكثرة عددهم، استطاع ذلك البطل أن ينظم إنسحاباً قوياً نجاحاً يمثل في واقعه أعلى درجات الانتصار بالنسبة لظروف المعركة الصعبة، وهو أمر يخالف ما جرت به العادة من أن المنسحب هو الذي في الغالب يتكبد خسائر، وتكفينا هنا شهادة الحبيب محمد عليه الصلاه والسلام الذي وصف ذلك الإنسحاب القوي بالفتح.
دروس وعبر
في غزوة مؤتة فوائد وعبر كثيرة منها ما يلي:
1- العالم كله قد تعرف على أن رسول الله لا يتردد لحظة في الاقتصاص ممن تلخطت يده بدماء سفراءه لأنها في النهاية تمس كيان الدولة الإسلامية وأن على العالم أجمع أن لا ينظر إلى المسلمين بعين صغيرة.
2-هناك قواعد ثابتة في القران، من يطبق هذه القواعد فسوف يفوز فوزاً عظيماً، فالأيمان والصبر وطاعة الرسول هي من القواعد والسنن التي لا يمكن تجاوزها.
3- أن مواجهة الأعداء لا يشترط فيها تكافؤ القوى، يكفي المؤمنين أن يعدوا أنفسهم بما استطاعو من قوة ثم يتقوا بالله ويتعلقوا به ويثبتوا ويصبروا وعندها ينُصرو، فرغم قلة عدد المسلمين في معركة مؤتة، إلا أن قتل منهم اثنا عشر رجلا فقط، أما الرومان فقتل منهم ثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمسون رجل.
4-أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام المؤمنين اجتناب الأعمال اللإنسانية من التعرض للنساء والأطفال والعجزة ورجال الدين بأي نوع من أنواع الأذى، ولقد تضمنت تلك الوصية أرقى قانون للحرب العادلة، قانون عجزت حتى الآن كل النظم والتشريعات أن تصل إليه من حيث الإنصاف في معاملة الأعداء.