أراء

الدكتورة أسماء جلال تكتب: يوم عاشوراء يوم البشرى

الحدث 60

من فضائل شهر المحرم أنه يُستحب الإكثار من صيام النافلة في شهر محرّم، ففي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ» [رواه مسلم] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «شهر الله» من باب إضافة التعظيم، وأفضل أيامه اليوم العاشر، فقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، ففي الصحيحين وغيرهما عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: «مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى [شكراً لله تعالى]، قَالَ: فَنحن أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، ونحن نصومه تعظيماً له، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ».

عاشوراء بشرى بنصر الله عباده الصالحين

يوم عاشوراء اليوم الذي قال فيه موسى لقومه لما قالوا له وهم يرون فرعون وجنوده خلفهم: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء:61]، قال موسى بلغة المؤمن الواثق من وعد الله: ( كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء:62]، إنه التوحيد والاستسلام وتفويض الأمر كله إلى الله وحده، فمهما حمل لنا العدو من دبابات وطائرات ومدمرات فإن الله معنا يسمع ويرى ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

يوم عاشوراء اليوم الذي قال فيه فرعون المتجبر المتكبر المتألّه، لما أيقن بالهلاك: (آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس:90]، فردّ الله عليه هذا الإيمان الاضطراري وهذه الدعوى الكاذبة فقال عز من قائل: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) [يونس:91، 92].
يوم عاشوراء هو سنة الله الكونية في نُصرة أوليائه الذين ينافحون عن دينه ودحر أعدائه الذين يعارضون شرعه في كل زمان ومكان، وهو رسالة أن الباطل مهما انتفخ وانتفش وطغى وتجبر وظن أنه لا يمكن لأحد أن ينازعه أو يرد كيده وباطله أو يهزم جنده وجحافله فإن مصيره إلى الهلاك وعاقبته هي الذلة والهوان.
استشهاد ريحانة رسول الله وسيد شباب أهل الجنة:
ومن الأحداث الهامة في هذا اليوم أيضاً من قتل سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، لاشك أن كل مسلم ينبغي أن يحزنه مقتل الحسين ، فهو من سادات المسلمين وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن بما لا يخالف الشرع الحنيف أو بعمل أهل البدع من القيام بمظاهر وأعمال مخالفة من أهل البدع والأهواء لا ترضي الله ورسوله.

الاحتفال بعاشوراء في مصر

احتفل الفاطميين في مصر بعاشوراء، و كانت تتعطل فيه الأسواق ويُستدعى الناس إلى قصر الخليفة حيث "السماط العظيم" المسمى بسماط الحزن. حيث يدعى إليه الخليفة الفاطمي والأمراء ورجال الدولة ثم يوزع على الناس منه شئ كثير، وبعد زوال حكم الفاطميين اتخذ الأيوبيون هذا اليوم يوم سعادة نكاية في الفاطميين وراحوا يصنعون الحلوى ويوسعون على أولادهم، بعد أن كان الفاطميون يأكلون في هذا اليوم الأجبان والألبان والأعسال والخبز يغيرون لونه إلى الأسود عمدًا حزنًا على مقتل الحسين في كربلاء، ووما يستدلون به ما ما رووه عن الرضا أنه سئل عن صوم يوم عاشوراء وما يقول الناس فيه؟ فقال: عن صوم ابن مرجانة تسألني! ذلك اليوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه السلام، وهويوم يتشايع به آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويتشايع به أهل الإسلام واليوم الذي يتشايع به أهل الإسلام لا يصام ولا يتبرك به، ويوم الاثنين يوم نحس قبض الله فيه نبيه صلى الله عليه وسلم، وما أصيب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا في يوم الاثنين…فمن صامهما أوتبرك بهما لقي الله تبارك وتعالى ممسوخ القلب، وكان محشره مع الذين سنوا صومهما والتبرك بهما". (صيام عاشوراء ص 117 – 118).


أسماء جلال، أستاذ التاريخ الإسلامي
جامعة الأزهر

التعمير